• في رحاب اللغة العربية

    بروكسيل الأدبية جريدة إلكترونية شاملة مستقلة
      من تاريخ اللغة العربية 1
      زكرياء قاسم وعلي
     
     

     

     هـذه مـجـمـوعـة مـن الـمـقـالات ألـقـيـتْ عـلـى طـلـبـة الـسـنـة الأولـى مـاجسـتيـر شـعـبـة الـلـغـة الـعـربـيـة و الـتـرجـمـة فـي درس الـلـسـانـيـات الـتـزمُّـنـيـة / الـديـاكـرونـيـة خـلال الـسـنـوات الـثـلاثـة الـمـاضـيـة. أتـطـرَّق فـيـهـا لـمـجـمـوعـة مـن الـمـواضـيـع تـهـمّ تـاريـخ لـغـة الـضـاد    كـالـكـتـابـة و الـنـحـو و جـمْـع الـلـغـة.  وقـد ارتـأيْـتُ نـشْـر أجـزاء مـن هـذه الأبـحـاث عـلـى صـفـحـات مَـجـلـتـنـا تَـعـمـيـمـا للـفـائـدة و إثـراء للـنِّـقـاش. و سـتـكـون الـبـِدايـة مـع تـاريـخ الـكِـتـابـة. و اللـه ولـي الـتَّـوفـيـق.

    مـن تـاريـخ الـكِـتـابـة الـعـربـيـة.

    فـي بـحـثـنـا عـن أصـل الـكِـتـابـة الـعـربـيـة يُـمـكـنـنـا الـحَـديـث عـن مُـقـارَبـتـيْـن إثـنـتـيْـن: الأُولـى هـي مُـقـاربـة أُسـطـوريـة لـيْـسـت لـهـا أيـةُ قِـيـمـة عِـلـمـيـة. و الـثـانـيـة هـي مُـقـاربـة عِـلـمـيـة تـاريـخـيـة أثـريـة. وسـنـبـدأ بـمـا تـقـولـه الأسـطـورة بـاعـتـبـارهـا الأقـدم زمـنـيـا :

    أ= أصـل الـكِـتـابـة الـعـربـيـة مـن خـلال الأسـطُـورة و الإخـبـاريـيـن.

    تـكـاد تـخـتـصـر هـذه الـمُـقـاربـة تَـفـسـيـرهـا لأصـل الـكِـتـابـة الـعـربـيـة بـقـوْلـهـا " إنّـهـا وحـي مـن اللـه". و هـو "تَـفـسـيـر" يـؤوِّل آيـتـيْـن قـرآنـيـتـيْـن مـن سـورة الـبـقـرة لـيْـس إلاّ.   
    + الآيـة 31:" وَ عَـلَّـم آدَمَ الأَسْـمَـاءَ كُـلَّـهَـا ثُـمَّ عَـرَضَـهُـمْ عَـلَـى الـمَـلاَئِـكَـةِ"
    + الآيـة 33:" قَـالَ يـا آدَمُ أَنْـبـِـئْـهُـمْ بـِأَسْـمـائِـهِـمْ"
     لـن نـدخُـل فـي نِـقـاش حـوْل صِـحـة هـذا الـتَّـأويـل أو عـدم صـحـتـه و نـكـتـفـي بـالـقـوْل إن مَـفـهـوم الـوحـي الإلـهـي الَّـذي أنـتـج الـكِـتـابـة لا يـدخُـل فـي سِـيـاق الـعـلـم لـسـبـب بَـسـيـط هـو عـدم إمـكـانـيـة دِراسـتـه.  
    هـذه الـمُـقـارَبـة الّـتـي تـجـعَـل الـكِـتـابـة الـعـربـيـة ذات مَـصـدر خـارجـي غـيْـر إنـسـانـي، نـجـدهـا فـي كِـتـابـات مَـجـمـوعـة مـن إخـبـاريـيـنـا وأهـمـهـم:                                 
     1 = الـقَـلْـقـشـنـدي فـي كِـتـابـه " صُـبْـحُ الأَعْـشَـى فـي صِـنـاعـة الإنـشـاء" ج3 ص 10 يـدَّعـي أنّ آدم هـو أول مـن كـتَـب بـالـعـربـيـة.
    2 = ابـن عـبـد ربـه الأنـدلـسـي فـي كِـتـابـه " الـعِـقْـدُ الـفَـريـد" ج3 ص157 يـزعُـم أنّ الـنـبـي إدريـس هـو أول مـن كـتَـب بـالـعـربـيـة. ثـم يـعـود، أسـطُـرا بـعـد ذلـك، لـيـقُـول إنّ الـنـبـي إسـمـاعـيـل هـو أول مـن كـتَـب بـالـعـربـيـة.                         
    3 = مـحـمـد بـن جَـريـر الـطَـبَـري فـي كِـتـابـه" تـاريـخ الـرُّسُـلِ و الـمُـلُـوكِ" الـمَـعـروف أيـضـا تـحـت عِـنـوان " تـاريـخ الأُمَـمِ و الـمُـلُـوكِ" ج1ص167 يـزعُـم أنّ وّخْـنُـوخ ( إنُـوخ؟) هـو أول مـن كَـتَـب بـالـعـربـيـة.                                                     
    يـكـاد يـكـون هـذا كـل مـا يـقُـولـه الإخـبـاريـون عـن أصـل الـكـتـابـة الـعـربـيـة و إن اخـتـلـفـت الـدِيـبـاجـة إسـهـابـا أو إيـجـازا. و زعـمـهـم هـذا يُـثـيـر انـتـبـاهـنـا مـن جـانِـبـيْـن:
     الأوّل: هـو كَـوْن الـسـؤال الَّـذي يَـطـرَحـونـه (أول مـن كـتـب بـالـعـربـيـة) سـؤال لا مَـعـنـى لـه بـحـكْـم أنّ الـكِـتـابـة لا يُـمـكـن أنْ تـكُـون مـن إخـتـراع إنـسـان واحـد حـتـى و إنْ كـان نـبـيـا.
     والـثـانـي: هـو كـوْن الـتـضـارُب فـي الآراء راجـع إلـى ضُـعـف الـنـقـد الـتـاريـخـي فـي كِـتـابـاتـهـم. فـهـم يُـعـطـون الـخـبـر كـمـا نُـقِـلَ إلـيْـهـم دون أدنـى تَـحـقـيـق أو تَـدقـيـق. و كـمـا يـشـهَـد بـذلـك الـطَّـبـري شـيْـخ الـمـؤرِّخـيـن و إمـام الـمـفـسِّـريـن عـنـدمـا يَـقـول بـوضـوح يـغـنـي عـن أي شـرْح أو إضـافـة :" وقَـدْ أدَّيْـنَـاهُ (الـخَـبَـر) إِلَـيْـكَ كَـمَـا أُدِّيَ إِلَـيْـنَـا"

    ب= أصـل الـكِـتـابـة الـعـربـيـة مـن خـلال الـنُّـقـوش الأثَـريـة.

    لـم تـبـدَأ الـبُـحـوث الأثـريـة حـوْل هـذا الـمَـوضـوع إلاّ فـي الـقـرن الـتـاسِـع عَـشـر الـمِـيـلادي. و مـن خـلال الـدراسـات الَّـتـي أُجـريَـت نـجـد أنّ بـلاد الـعـرب عـرفـت نـوعـيْـن مُـتـبـايـِنـيْـن مـن الـكِـتـابـة. الأول يُـعْـرَفَ بـِ "الـخَـطِّ الـجَـنُـوبـي" و الـثـانـي يُـعْـرَفُ بـِ"الْـخَـطِّ الـشَّـمـالـي". فـمـا هـي الـمُـمـيِّـزات الـخـاصـة لـكـلٍّ مِـنـهـمـا؟ و مـن مـنـهـمـا هـو أصـل لـلـكِـتـابـة الـعـربـيـة؟

     ++  الْـخَـطُّ الـجَـنُـوبـي: خَـصَـائِـصُـهُ و مُـمَـيِّـزَاتُـهُ. 

      هـو مَـجـموعـة مـن الـخُـطـوط الـمُـتـشـابـِهـة. أشـهـرهـا هـو الـخـط الْـحِـمْـيَـرِي. وهـو خـط اسـتـعـمـلـه سـكـان جـنـوب بـلاد الـعـرب لأكـثـر مـن ألـف سـنـة فـي الـيـمـن وغـرب عُـمـان وجـنـوب الـسـعـوديـة حـالـيـا. أمـا خَـصـائـصـه فـيُـمـكـن إجـمـالـهـا فـيـمـا يـلـي:

    1 = حُـروفـه مُـنـفـصِـلـة غـيـر مُـتَّـصِـلـة: أَيْ أنَّ كـلـمـة "مُـحَـمَّـد" مـثـلا فـي هـذه الـكِـتـابة سـتـكـون هـكذا"م ح م د". إنّ هـذا الإنـفـصـال فـي الـحـروف يـطـرَح مُـشـكِـلة كَـبـيرة بـحـيْـث تـصـعُـب مـعـرِفـة أيْـن تـبـتـدأُ الـكـلـمـة و أيْـن تـنـتـهـي. و لا نـبـالـغ إذا قُـلـنـا إنّ ذلـك يـكـاد يَـسـتـحـيـل عـلـى عـامـة الـنـاس. إحـسـاسـا بـهـذه الـمُـشـكـلـة بـدَأ عـرب الـجـنـوب  فـي فَـتـرات تـاريـخـيـة مـتـأخِّـرة يـضَـعـون خـطا مائلا ( / ) حـتـى يـفـصِـلـوا بـيْـن كَـلـمـة و أُخْـرى.
    2 = حـرف الـراء هـو الـحـرف الـوَحـيـد الَّـذي يُـشـبـه الـحُـروف الـعـربـيـة الـحـالـيـة. و هـو شـيء يـجـعَـلـنـا نـفـهَـم مـا يُـقَـالُ و لا نـفـهَـم مـا يُـكْـتَـبَ.(امـرئ الـقـيـس مـثـلا)
    3 = لـيْـس لـهـذا الـخـطِّ اتِّجـاه واحـد فـي الـكِـتـابـة. فـهـو يُـكْـتَـبُ مـن الـيـمـيـن إلـى الـيـسـار وعـنـد الـرُّجـوع إلـى الـسـطـر يـخـتـلـف اتِّـجـاه الـكِـتـابـة لـيُــصْـبـِـحَ مـن الـيـسـار إلـى الـيـمـيـن. و فـي بـعـض الـنُّـقـوش نـجـد اتِّـجـاه الـكـتـابـة مـن الأعـلـى نـحـو الأسـفـل. وكـل هـذا يـجـعـل مـن الـصـعـب الـقـبـول بـه كـأصـل للـكِـتـابـة الـعـربـيـة.                    
    4= الـخـط الـحِـمْـيَـري يـتـكـوَّن مـن 29 حـرفـا  تُـكْـتَــبُ فـيـه الـصَّـوامِـتُ بـدون الـحـركـات الـقَـصـيـرة.
    و عـنـد إنـهـيـارات سـد " مَـأْرِب" فـي الـيـمن، هاجَـر الـنـاس، عـلـى شـكـل مَـوجات بـشـرية، إلـى شَـمال بـلاد الـعـرب. و قـد إسـتـقـرّ جـزء كَـبـيـر مـنـهم فـي يَـثْـرِبِ (الـمَـديـنة).
    الـمـؤرِّخ الـكَـبـيـر ابـن خـلـدون الَّـذي زار هـذه الـمَـنـطـقـة خِـلال رِحـلـتـه شـرقـا و غـرب (1354 /1355م ) يـقـول " كَـانَ بـالِـغـا مَـبْـلَـغَـهُ مِـنَ الإحْـكَـامِ و الإتْـقـانِ و الْـجَـوْدَةِ فـي دَوْلَـةِ  الـتَّـبَـابـِعَـةِ لِـمَـا بَـلَـغَـتْـهُ مِـنَ الـحَـضـارة وَ الـتَّـرَفِ و هـو الـمُـسَـمَّـى بـالـخَـطِّ الـحِـمْـيَـري" 
     

     بـيْـن الـسُّـريـانـيـة و الـعـربـيـة

    لـكـونـهـمـا مـن نـفـس الـمَـجـمـوعـة الـلُّـغـويـة (الـسـامـيـة)، يـوجـد تـشـابُـه كَـبـيـر بـيْـن هـاتـيْـن الـلُّـغـتـيْـن. و بـمـا أنّ مـا يـهـمـنـا فـي هـذا الـبـحـث هـي الـخَـصـائِـص الـمُـشـتـرَكـة بـيْـن الـخـطـيْـن / الـكـتـابـتـيْـن، فـإنَّـنـا سـنـتـوقَّـف قَـلـيـلا عـنـدهـا (الـخـصـائـص) لِـنـجـد:
                                          
    1 = كـلُّ حـرف فـي الـسُّـريـانـيـة لـه ثـلاثـة أشـكـال مُـخـتـلِـفـة قَـلـيـلا فـي الـكِـتـابـة حـسـب مَـوقِـعـه فـي أوَّل، وسـط، أو آخِـر الـكـلـمـة. و هـو نـفـس الـشـيء فـي الـعـربـيـة.

    2 = حُـروف: الـدال و الـراء و الألـف و الـواو ( د/ر/ا/و ) لا تـرتـبـط مـن جِـهـة الـيـسـار بـبـاقـي الـحـروف. نـفـس الـشـيء نـجـده فـي الـعـربـيـة.
    3 = حـرف الـبـاء و الـجـيـم و الـدال و الـكـاف و الـنـون و الـعـيـن و الـفـاء و الـصـاد، تُـكْـتَـبُ بـنـفـس الـطَّـريـقـة فـي الـخـطـيْـن.
    4 = بـاقـي الـحُـروف فـي الـخـطـيْـن تـخـتـلـف تـمـامـا عـن بـعـضـهـا.
    الإنـتـبـاه إلـى الـتـشـابـه بـيْـن الـكـتـابـتـيْـن لـيْـس وَلـيـد الـيـوْم فـقـط بـل هـنـاك مـن الـقُـدامـى مـن لاحـظ شِـدة الـشـبـه بـيْـن الـخـطـيْـن. فـهـذا الإخـبـاري الـبَـلاَذِري ( ت 279 هـ/ 893 م) فـي " فُـتُـوح الـبُـلْـدَان" ق3 ص 579 يـقُـول:" إِنَّ الـقَـلَـمَ (الـخـط) الـعَـرَبـِي الـشَّـمَـالِـي قَـدْ قِـيـسَ عَـلَـى هِـجَـاءِ (حُـروف) الـسُّـرْيَـانِـيِّـةِ". وَ إذا كـان الـبـلاذري فـي هـذه الـمُـلاحـظـة لا يـنـطـلِـق مـن أيـة حُـمـولـة إيـديـولـوجـيـة، فـإن الـبـاحِـثـيـن الـمُـحـدثـيـن، خُـصـوصـا بـاحِـثـو الـقـرن الـتـاسـع عـشـر، يـتـوقَّـفـون عـنـد نـفـس الإسـتـنـتـاج لأسـبـاب إيـديـولـوجـيـة مـحـظـة، أولـهـا إرتـبـاط الـسـريـانـيـة بـالـمَـسـيـحـيـة. و هـم بـالـتـالـي يـرفُـضـون الـبـحـث فـي الآرامـيـة و فَـصـيـلـهـا الـنـبـطـي.  

     بـيْـن الـنَّـبَـطِـيَّـة و الـعـربـيـة

    الـنـبـطـيـة كَـخـط يـنـحـدِر مـن الـكِـتـابـة الآرامـيـة فـهـو قـد تـطـوَّر مـنـهـا فـي الـقـرن الـثـانـي قـبـل الـمِـيـلاد. و فـي الـقـرن الأول قـبـل الـمِـيـلاد بـدأ يـسـتـقـلُّ بـنـفـسـه و يـأخُـذ مـمـيِّـزاتـه الـخـاصـة بـه. مـن خـلال الـنُـقـوش الأثـريـة الـنـبـطـية الَّـتـي تَـزيـد عـلـى ثـلاثـة آلاف نـقـش نـسـتـخـلـص الـمـمـيِّـزات الآتـيـة: 

    1 = الـنـبـطـيـة تُـكْـتَـبُ دائـمـا مـن الـيـمـيـن إلـى الـيـسـار مـثـل الـعـربـيـة.

    2 = الـنـبـطـيـة فـيـهـا إثـنـان و عِـشـرون حـرفـا كـلـهـا مَـوجـودة فـي الـعـربـيـة كـذلـك.

    3 = الـحُـروف الـمُـتَّـصِـلة وغـيـر الـمـتـصـلة مـن جِـهة الـيـسار هـي نـفـسـها فـي الـكـتـابـتـيْـن.

    4 = الألـف فـي بـعـض الأسـمـاء و الـكـلـمـات تـسـقُـط و لا تُـكْـتَـبُ فـنـجـد مـثـلا: "حـرث" بـدَلا مـن "حـارث". نـفـس الـظـاهـرة مَـوجـودة فـي الـعـربـيـة.

    5 = تـاء الـثَّـأنـيـث الـمـربـوطـة تُـكْـتَـبُ مَـبـسـوطـة: أي "زوجـت" بـدلا مـن "زوجـة". نـفـس الـظـاهـرة نـجـدهـا فـي الـعـربـيـة.

    6 = غِـيـاب نُـقـط الإعـجـام فـحـروف مـثـل: بـ / تـ / ثـ / نـ / يـ  تُـكْـتَـبُ بـدون نُـقـط  و هـو شـيء نـجـده فـي الـعـربـيـة.

    7 = حـرف لا (لام ألف) غـيـر مَـوجـود فـي الـنـبـطـيـة. فـي الـعـربـيـة تـأخَّـر كَـثـيـرا ظُـهـور هـذا الـحـرف.

    8 = الـتَّـعـريـف بـ "اَلْـ " مَـوجـود فـي الـنـبـطـيـة و الـعـربـيـة.

     مـن هـم الأنـبـاط؟

    الأنـبـاط هـم عـرب رُحَّـل عـاشـوا فـي جَـنـوب الـعـراق و جَـنـوب سُـوريـا و فـي شَـمـال الـسَّـعـوديـة، و فـي الأردن و فـلـسـطـيـن و شـبـه جَـزيـرة سـيـنـاء. احـتـرفـوا الـزِراعـة و الـتِّـجـارة لـكـونـهـم فـي مُـلـتـقـى الـطُّـرق الـتـجـاريـة الـعـالـمـيـة فـي ذلـك الـوقـت و الَّـتـي سـيْـطـروا عـلـيـهـا تَـمـامـا إبـتـداءً مـن مُـنـتَـصـف الـقـرن الـرابـِع قـبـل الـمِـيـلاد. و مـا بـيْـن الـقـرن الـثـانـي قـبـل الـمِـيـلاد و الـقـرن الـثـانـي بـعـد الـمِـيـلاد ( أربـعـة قُـرون) كـانـت لـهـم دولـة قَـويـة جـدا سـيْـطـرت عـلـى طُـرق الـقَـوافِـل الـقـادِمـة مـن صَـنْـعَـاء و مَـكَّـة و يَـثْـرِب ( الـمَـديـنـة) و كـذلـك مـن الـعـراق. وحَـكَـمـت مَـدَائِـن صَـالِـح و دِمَـشْـق. بَـنَـتْ مَـدِيـنـة الـبَـتْـرَاء. و قـد حـافَـظ هـذا الـشـعـب عـلـى رَوابـِط قـويـة مـع عـرب الـجَـزيـرة. و إنْ كـنـا غـيـر مـتـأكِّـديـن مـن أنَّ الأنـبـاط هـم حـقـا مـن بَـنَـى مَـديـنـة بـابـِل فـإنَّـنـا مُـتـأكِّـدون مـن أنَّـهـم هـم الَّـذيـن بَـنَـوْا أَرْوَعَ مِـعـمـار عـربـي عـلـى الإطـلاق و هـو مَـدِيـنـة " الْـبَـتْـرَاء " و هـي مَـديـنـة تُـوجـد فـي الأردن، سَـبـعـيـن كِـيـلـومـتـرا جَـنـوب الـبـحـر الـمَـيَّـت، و هـي عِـبـارة عـن مَـديـنـة مَـنـحـوتَـة داخِـل جـبـل. و قـد تـحـدّث الـقـرآن عـنـهـم وعـن مَـديـنـتـهـم فـي سـورة 26 (الـشُّـعَـراء) آيـة 149 و عـاب عـلـيْـهـم كَـثـرة الـتَّـرَف بـقـولـه: " وَ تَـنْـحِـتُـونَ مِـنَ الـجِـبَـالِ بُـيُـوتًـا فَـرِهِـيـنَ " أيْ دُونَ الـحـاجـة إلـيْـهـا و لـكـن فـقـط بـِدافِـع الإفـتـخـار. و مـنهـم قـوْم الـنـبـي هُـود و صـالِـح الـمَـذكـوريـن فـي الـقـرآن. إنّ مُـمـارَسـة الأنـبـاط للـتِّـجـارة الَّـتـي تـحـتـاج إلـى تَـسـجـيـل الـبـيْـع و الـشـراء و الـقُـروض، و تَـأسـيـس دُوَل تـحـتـاج إلـى دَفـاتِـر و سِـجـلات للـمَـداخـيـل و الـمَـصـاريـف و الـقـوانـيـن، بـالإضـافـة إلـى مُـخـالَـطـة شُـعـوب مُـتـقـدِّمَـة، كـلُّ هـذا سـاعَـد هـذا الـشـعـب الـعـربـي لـكـي يـكُـون بـحـق أوَّل شـعـب عـربـي كَـتـب فـي شَـمـال الـجَـزيـرة.

    إنّ كـلَّ مـا رأَيْـنـاه مـن تـشـابُـه، يـصـل حـد الـتـطـابـق، بـيـن الـكِـتـابـة الـنـبـطـيـة و الـعـربـيـة تـعـزِّزه الـنُّـقـوش الأثـريـة الـعـربـيـة الَّـتـي هـي مَـوضـوع الـفـقـرة الـتـالِـيـة.

    ت = الـنُّـقُـوشُ الـعَـرَبـيـة قـبْـل الإِسـْلام.

    وصـلـتْـنـا مَـجـموعـة مـن الـنُّـقـوش الـعـربـيـة مـن الـقـرن الـسـادس الـمِـيـلادي أغـلـبـهـا مـن جَـنـوب سُـوريـا. و فـي هـذا الـدرْس سـنـتـطـرَّق إلـى 1= نـقْـش زَبَـد، 2= نـقْـش أَسِـيـس. 3= نـقْـش حَـرَّان. 4= نـقْـش أُمّ الـجِـمـال الـثـانِـي. آخِـذيـن فـي ذلـك الإعـتـبـار الـكـرونـولـوجـي. 

      نـقْـش زَبَـد (أُنْـظُـر الـلَّـوْحة الـمُـرافِـقـة)

    يـرجِـع إلـى سـنـة 512م و زَبَـد هـي مَـنـطـقـة تُـوجـد جَـنـوب شَـرْق حَـلَـب. و الـنـقْـش عِـبـارة عـن سـطـر واحـدٍ كُـتِـبَ عـلـى جِـدار واجِـهـة كَـنـيـسـة مَـسـيـحـيـة. و قـد جـاء فـيـه:" ...ر الالـه سـرحـو بـر ا مـع مـنـفـو و هـلـيـا بـرمـر الـقـس/// و سـرحـو بـر سـعـدو و سـتـرو سـريـحـو..."
    هـذا الـسـطـر يـحـتـوي عـلـى مَـجـمـوعـة مـن الأسـمـاء الـشـخـصـيـة هـي ربَّـمـا لـمـن بَـنَـوْا أو أمَـروا بـبـنـاء الـكَـنـيـسـة.

    نَـقْـش أَسِـيـس (أُنْـظُـرْ الـلَّـوحـة الـمُـرافِـقـة)

    يَـعـود إلـى سـنـة 528م و أَسِـيـس هـو جَـبَـلٌ عـلـى بُـعْـدِ مِـئة كِـيـلـومـتـر جَـنـوب شَـرق دِمَـشْـق. و هـو عِـبارة عـن نـص عـربـي صَـغـيـر مـن أربـعـة أسـطـر قَـصـيـرة. و قـد جـاء فـيـه: " ابـراهـيـم بـن مـغـيـرة الأوسـي أرسـلـنـي الـحـارث الـمـلـك عـلـى سـلـيـمـان مـسـيـلـحـة سـنـة 423" الـنـص واضِـح جـدا و قِـراءتـه سَـهـلـة أيـضـا و كـل الأسـمـاء و الـوَقـائـع الَّـتـي يـذكُـرهـا مَـعـروفـة فـي تـاريـخ سُـوريـا.    

     

    نَـقْـش حَـرَّان (أُنْـظُـرْ الـلَّـوحـة الـمُـرافِـقـة)

    يَـعـود إلـى سـنـة 568م. و حَـرَّان هـي مَـركـز حَـضـاري مُـهـم جـدّا فـي جَـنـوب تـركـيـا. و قـد وُجِـدَ هـذا الـنـص فـي حُـطـام كَـنـيـسـة  و قـد جـاء فـيـه " ..نـا شـرحـيـل بـن طـلـمـو بـنـيـت ذا الـمـرطـول سـنـت 463 بـعـد مـفـسـد خـيـبـر / خـبـر بـعـام"


     نَـقْـش أُمّ الْـجِـمـال الـثـانـي (أُنْـظُـرْ الـلَّـوحـة الـمُـرافِـقـة)

     هـو نـقْـش يـعـود إلـى أوائـل الـقـرن الـسـادِس الـمِـيـلادي و هـو مَـكـتـوب  عـلـى الـجـزء الأسـفـل مـن سـاريـة كَـنـيـسـة تُـوجـد فـي "حُـورَان" جَـنوب سُـوريا. و هـو نـص صـعـب الـقِـراءة  و قـد جـاء فـيـه: " الله غـفـرا لالـيـه بـن عـبـيـده كـاتـب الـعـبـيـد أعـلـى بـنـى عـمـرى تـنـبّـه عـنـه مـن (يـقـرؤه)."
    مـن خـلال مُـقـارنـة الـنُـقـوش الأربـعـة الَّـتـي عـرضـنـاهـا، و أُخـرى لـم نـعـرِضـهـا، إنـتـهـى الـعُـلـمـاء إلـى خُـلاصـات يُـمـكـن إجـمـالـهـا فـيـمـا يـلـي:

    1= تـشـابُـه الـحُـروف فـي هـذه الـنُّـقـوش و تِـكْـرَارُهـا. مـع كـون بـعـضـهـا يُـشـبـه الـنـبـطـيـة أكـثـر مـن الـعـربـيـة.

    2= كـل الـحُـروف الـعـربـيـة مَـوجـودة فـي هـذه الـنُّـقـوش بـاسـتـثـنـاء الـزاي و الـصـاد.

    3= نـفـس الـحُـروف الـمُـتَّـصـلة و الـمُـنـفـصِـلة مـن جـهة الـيـسار فـي الـنـبـطـية و الـعـربـية.

    4= الـحُـروف الـتـالـية: ب / ج / ح / ل / ن / ط ، هـي نـفـسـها فـي الـكِـتـابة الـنـبـطـية.

    5= الـحُـروف الـتـالـية: د / هـ / س / ش / ر / ت، هـي أكـثـر تـطـوُّرا فـي الـكِـتابة الـعـربـية.

    6= غِـيـاب نُـقـط الإعـجـام تـمـامـا كـمـا هـو الـحـال فـي الـنـبـطـيـة.

    7= الألـف الـطَّـويـلـة فـي بـعـض الأسـمـاء و الـكـلـمـات لا تُـكْـتَـبُ فـي الـلـغـتـيْـن، هـكـذا نـجـد: حـرث / ابـرهـيـم / بـعـم، بـدلا مـن: حـارث / ابـراهـيـم / بـعـام.

     

     

     خُـلاصـة عـامـة

     

    يُـمـكـنـنـا الـقـوْل إنّ الـكِـتـابـة الـعـربـيـة، حـسـب الـنـصـوص و الـدِّراسات الـمُـتـوفَّـرة، لا تـنـحـدِر مـن الـخـط الـجـنـوبـي بـل مـن الـخـط الـشـمـالـي. و لـيـس مـن الـسـريـانـيـة بـل مـن الـنـبـطـيـة الَّـتـي هـي فَـرْع مُـتـطـوِّر مـن الآرامـيـة.

       أعلى الصفحة                                        

    المراجع:


     [1] "أَصْـلُ الـخَـطِّ الـعَـرَبـي" ص 85
      [2] " عِـلْـمُ الـلُّـغَـةِ الـعَـربـيـة" ص  182

      

    أعلى الصفحة

        
      الرئيسية 
      أنشر هنا 
      دنيا الأدب والفن 
      مسرح  
     دنيا الترجمة والإبداع 
     اجتماعيات وعلوم 
    معرض  من نحن 
      اتصل بنا 
      لانا راتب المجالي  
    بقلم زكرياء قاسم وعلي
     
    مقالات الكاتب

    مع اللغة العربية

     



     
     

     

    bruxellesaladabiya@gmail.com

     

    « الصالون الأدبي 1العتمة تنسحب رويداً »
    Partager via Gmail

    Tags وسوم : , , , ,
  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق