• الكندي فيلسوف العرب

     
      

    مقدمة لا بد منها

       

    الكندي فيلسوف العرب

      لقد جاء اهتمامنا بتغطية هذا الجانب التراثي من الفكر العربي، بتوجيه من عدد لا يستهان به من الأصدقاء، الذين طالبونا بتحرير مقالات مبسطة عن أعلام الفكر، في تراثنا العربي الإسلامي. ولقد وقع اختيارنا، استجابة لهذا الطلب، على تقديم بعض الشخصيات الفكرية الرائدة، مدعمة بمصادرها الإسلامية. ونحونا منحى التعريف، مقتصرين على الإحاطة الشاملة للشخصية المدروسة، ومتجنبين في الوقت نفسه، الخوض في الأطروحات الفلسفية ومناقشتها. لأن هدفنا الأساسي هو التعريف، وليس مناقشة المسائل النظرية المتعلقة بالشخص المعني. ولقد دعمنا كل هذا بالمصادر، والمراجع، والوثائق التاريخية، لمن يرغب في مزيد من التوسع والتعمق.

    فيلسوف العرب

         أبو يوسف يعقوب ابن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس. وكنيته أبو يوسف، إلا أنه اشتهر ب"يعقوب الكندي"، الإسم الذي لاحقه طوال حياته. ولقد تضاربت الآراء في شأن مولده كما في شأن وفاته. وحسب ما أجمع عليه المحقوقون تقديرا، أنه ولد بالبصرة، سنة ( 180 هج = 796م). وتوفي سنة (260 هج = 873م). وكان أبوه إسحاق بن الصباح واليا على الكوفة في خلافة المهدي (158 – 169 هج)، وخلافة هارون الرشيد من بعده (170 – 193 هج).

         وتوفي الأب وابنه ما يزال طفلا. ونشأ الكندي في رعاية أمه بالكوفة، إلا أن المصادر بقيت صامتة بخصوص هوية هذه الأم. أما عن الطفل، فالمصادر تخبرنا بأنه قد تعلم القرآن وحفظه في صباه، وكذلك الخط والحساب. ثم إنه انتقل إلى بغداد لإتمام دراسته العلمية والفلسفية. وكان يغشى مجالس المترجمين من اليونان، والصابئة والسريانية، خصوصا: يحيى بن البطريق، وابن ناعمة الحمصي. وكانت وجهته منذ هذه اللحظة، نحو العلوم الرياضية والفلسفية، على حساب العلوم الدينية واللغوية، باستثناء علم الكلام، الذي شارك فيه المتكلمين، برسائل عدّة.

         ومما يذكر بشأنه، أنه كان عظيم الشأن والمنزلة عند الخليفة المأمون (198-218هج = 813-833م)، وأخيه المعتصم (218-227هج) من بعده، الذي وكله بتأديب ابنه أحمد. ومما ترويه المصادر الأدبية بهذا الشأن، قصة الكندي مع الشاعر الفيلسوف أبي تمام :" حكى أنه كان حاضرا عند أحمد بن المعتصم وقد دخل أبو تمام، فأنشده قصيدته السينية، فلما بلغ إلى قوله:

             إقدام عمرو في سماحة حاتم

                                 في حلم أحنف في ذكاء إيّاس

    قال الكندي: ما صنعت شيئا.قال: كيف؟ قال: ما زدت على أن شبهت ابن أمير المؤمنين بصعاليك العرب، وأيضا أن شعراء دهرنا قد تجاوزوا بالممدوح من كان قبله، ألا ترى إلى قول الملوك في أبي دلف:

               رجل أبرّ على شجاعة عامر

                                 باسا وغبر في محيا حاتم

    فأطرق أبو تمام وأنشد:

                لا تنكروا ضربي له من دونه

                                 مثلا شرودا في النّدى والباس

                 فالله ضرب الأقل لنوره

                                 مثلا من المشكاة والنبراس

    ولم يكن هذا في القصيدة، فتعجب منه. ثم طلب أن تكون الجائزة ولاية عمل. فاستصغر ذلك فقال الكندي: ولوه فإنه قصير العمر، لأن ذهنه ينحت من قلبه، فكان كما قال."

         ومما تجدر الإشارة إليه، أن الخلفاء كانوا يعنون عناية شديدة بعلوم النقل والمباحث الفلسفية عناية شديدة، ويشجعون عليها، وينفقون من أجلها أموالا طائلة. لذا نجد من بين رسائل الكندي في الفلسفة، رسائل موجهة إلى الخليفة المعتصم، وابنه أحمد، وأخرى إلى الخليفة المأمون.

         لقد نشأ الكندي في وسط اجتماعي تسوده الفتن الدينية، والمناظرات الدائرة حولها. ونذكر بالتحديد، بهذا الخصوص، مسألة خلق القرآن، التي كان الخليفة المأمون قد جعلها مذهبا له، وجند له المعتزلة للدفاع عنها إلى جانبه، في مقابل خصومه من أصحاب الحديث. وللكندي مواقف واضحة وجلية من رجال الدين، الذين كان ينعتهم بأنهم يسيؤون تأويل الفلسفة ل"ضيق فطنتهم عن أساليب الحق، وقلة معرفتهم بما يستحق ذوو الجلالة في الرأي والإجتهاد، في الأنفاع العامة والشاملة، ولدرانة الحسد المتمكن من أنفسهم البهيمة، والحاجب بسدف سجوفه أبصار فكرهم عن نور الحق." ولأنهم أيضا، يتاجرون بالدين، لأنهم يعادون ذوي الفضائل" ذبا عن كراسيهم التي نصبوها من غير استحقاق، بل للترؤس والتجارة بالدين، وهم عدماء الدين. لأن من تجر بشيء باعه، ومن باع شيئا لم يكن له، فمن تجر بالدين لم يكن له دين". ولعل موقف الكندي المتشدد، قد جاء ردا منه على خصومه الذين كانوا يرمونه بالإلحاد، والإنتساب إلى ملة اليونان. وما يهمنا هنا، أن الكندي بسبب هذه المواقف المعادية، كان أول من تكلم من فلاسفة الإسلام، في مسألة التوفيق بين الحكمة والشريعة. ويقول بهذا الخصوص:"

    -1- ويحق أن يتعرى من الدين، من عاند كنه علم الأشياء بحقائقها وسماها كفرا. لأن في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية، وعلم الوحدانية، وعلم الفضيلة.

    -2- موافقة ما جاء به الرسل لحقائق الفلسفة:" جملة كل علم نافع والسبيل إليه، والبعد عن كل ضار والإحتراس منه. واقتناء هذه جميعا، هو الذي أتت به الرسل الصادقة، صلوات الله عليها، إنما أتت بالإقرار بربوبية الله وحده، وبلزوم الفضائل المرتضاة عنه، وترك الرذائل المضادة للفضائل في ذواتها وإيثارها".

    -3- في اكتساب الفلسفة:" يجب أو لا يجب؟ فإن قالوا يجب، وجب عليهم طلبها. وإن قالوا لا يجب، وجب عليهم أن يحصروا علة ذلك، ويعطوا على ذلك برهانا. وإعطاء العلة والبرهان من "قنية" علم الأشياء بحقائقها. فواجب إذن طلب هذه "القنية" بألسنتهم، والتمسك بها اضطرار عليهم".

         أما فيما يتعلق بميداني النقل والترجمة، فإن المصادر تذكر بأن "جورجيوس" كان أول من ابتدأ بهما في الطب نقلا عن المصادر اليونانية، في عهد المنصور، وحنين بن إسحاق، في عهد المأمون، الذي أمره بتشكيل فرقته لنقل كتب حكماء اليونان إلى اللغة العربية، وبذل له ما يكفيه من الأموال والعطايا لبلوغ مأربه. وأول المترجمين والنقلة، كانوا في بداية الأمر، من أهل النصارى وجنديسابور. ويعتبر الكندي من العرب الأوائل الذين اشتغلوا في هذا الحقل، وهو بهذه المناسبة، كان معاصرا للجاحظ الذي ذكر قصة بخله في كتابه البخلاء، أي شاهدا على نهضة عصر التدوين، التي شهدت رواجا منقطع النظير، ابتداء من منتصف القرن الثاني للهجرة. وكانت له مكتبة شهيرة تسمى "الكندية"، تحتوي على كتب منقولة إلى العربية، في الطب، والجغرافيا والفلسفة، بالإضافة إلى فنون الهندسة والهيأة والنجوم. ولقد جاء في طبقات الأطباء:" قال أبو معشر في كتاب المذكرات لشادان، أن حذاق المترجمين في الإسلام أربعة: حنين بن إسحاق، ويعقوب بن إسحاق الكندي، وثابت بن قرة الحراني، وعمر بن الفرخان الطبري". ولقد عده المستشرق "دي بور" في مقالة له بدائرة المعارف الإسلامية، واحدا من ثمانية، هم أئمة العلوم الفلكية.

         أما فيما يخص حقل الفلسفة، فإن اسمه قد جاء مقرونا بها كرائد ومؤسس، باعتباره من الأوائل الذين مهدوا للاحقين، وسائل الإشتغال بها. فالقفطي مثلا، يقول عنه، بأنه ممن اشتهر في الملة الإسلامية بالتبحر في فنون الحكمة اليونانية، والفارسية، والهندية. و"بالتخصص بأحكام النجوم، وأحكام سائر الفنون، وهو فيلسوف العرب وأحد ملوك أبنائها". أما ابن النديم فيرى أن الكندي:" فاضل دهره، وواحد عصره في معرفة العلوم القديمة بأسرها، ويسمى فيلسوف العرب. وكتبه في علوم مختلفة مثل المنطق، والفلسفة، والهندسة، والحساب، والأرتماطيقي، والموسيقى، والنجوم، وغير ذلك. وإنما وصلنا ذكره بالفلاسفة الطبيعيين إيثارا لتقديمه لموضعه في العلم". وبالرغم من هذا فلقد انتقده القفطي نقلا عن صاعد الأندلسي قائلا:" ومنها كتبه في المنطق، وهي كتب قد نفقت عند الناس نفاقا عاما، وقلما ينتفع بها في العلوم، لأنها خالية من صناعة التحليل، التي لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل في كل مطلوب إلا بها". وهنا إشارة واضحة لكتاب البرهان لأرسطو الذي لم يترجم إلا في فترة متأخرة، أي انطلاقا من الفارابي وابن سينا. والكندي كفيلسوف، هو في نظر الدارسين المعاصرين من أمثال: مصطفى عبد الرزاق، وعبد الرحمان بدوي، ومحمد مدكور، يعد من النقلة والشرّاح الواضعين للأسس الفلسفية، خاصة الأرسطية منها، وليس له منهجا، أو مذهبا مستقلا به. ومن وجهة نظر الأستاذ المختص في ميدان الفلسفة العربية الإسلامية، عبد الرحمن بدوي فإن:" الكندي كان متأثرا بأرسطو، دون غيره من الفلاسفة اليونانيين، كل التأثر، إلى حد أننا نستطيع أن نرد جماع آرائه وعروضه المذهبية إلى أصولها المباشرة في مؤلفات أرسطو، أحيانا بحروفها، وأحيانا على سبيل التلخيص أو الشرح، أو التبسيط". وبهذا الخصوص، يرى مصطفى عبد الرزاق، بأنه له الفضل في تقسيم الفلسفة إلى ثلاثة علوم: الربوبية (الفلسفة الأولى أو ما وراء الطبيعة)، العلم الرياضي، والعلم الطبيعي. وبالرغم من كل هذا، فلقد توارى الكندي مبكرا من دائرة الإهتمامات الفلسفية. ويرجع هذا الإحتجاب في نظر الأوائل إلى انصرافه، إلى علوم الطب والفلك، والهندسة، والإشتهار بها في زمانه. ويضيفون قائلين، بأن ظهور "البتاني" في علم الهيأة، وابن الهيثم في الضوء وغيرهما من العلماء، حجبوا شهرته في هذا الميدان، كما حجبها عنه في الفلسفة، كل من الفارابي، وابن سينا. ولقد ارتأينا أن نختم هذه المقالة المبسطة بخاتمة أوردها عبد الرحمن بدوي بشأن الكندي، في الجزء الأول من "موسوعة الحضارة العربية الإسلامية" حيث يقول:" كان الكندي أول فيلسوف عربي وأول فيلسوف مسلم بوجه عام. وكان أول من مزج بين الفكر اليوناني والفكر الديني الإسلامي. وكان واسع الثقافة، بحيث شملت معرفته كل علوم الأوائل، ولا نكاد نجد بين رجال النهضة في أوربا من يساويه في اتساع المعرفة والتحصيل الفلسفي العلمي".

    ومن مؤلفاته:

     

    في الفلسفة

    • الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد.
    • كتاب الحث على تعلم الفلسفة.
    • رسالة في أن لا تنال الفسفة إلا بعلم الرياضيات.

    في المنطق

    • رسالة في المدخل المنطقي باستيفاء القول فيه.
    • رسالة في الاحتراس من حدع السفسطائيين.

    في علم النفس

    • رسالة في علة النوم والرؤيا وما ترمز به النفس.

    في الموسيقى

    • رسالة في المدخل إلى صناعة الموسيقى.
    • رسالة في الإيقاع.

    في الفلك

    • رسالة في علل الأوضاع النجومية.
    • رسالة في علل أحداث الجو.
    • رسالة في ظاهريات الفلك.
    • رسالة في صنعة الاسطرلاب.

    في الحساب

    • رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقى: خمس مقالات.
    • رسالة في استعمال الحساب الهندسي: أربع مقالات.
    • رسالة في تأليف الأعداد.
    • رسالة في الكمية المضافة.
    • رسالة في النسب الزمنية.

    في الهندسة

    • رسالة في الكريات.
    • رسالة في أغراض إقليدس.
    • رسالة في تقريب وتر الدائرة.
    • رسالة في كيفية عمل دائرة مساوية لسطح إسطوانة مفروضة.

    في الطب

    في الفيزياء

    • رسالة في اختلاف مناظر المرآة.
    • رسالة في سعار المرآة.
    • رسالة في المد والجزر.

    في الكيمياء

    • رسالة في كيمياء العطر.
    • رسالة في العطر وأنواعه.
    • رسالة في التنبيه على خدع الكيميائيين.

    في التصنيف

    • رسالة في أنواع الجواهر الثمينة وغيرها.
    • رسالة في أنواع السيوف والحديد.
    • رسالة في أنواع الحجارة.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    المراجع والمصادر

    -        ابن النديم " الفهرست"، نشره فلوجل، ليبتسك، سنة 1872

    -        صاعد الأندلسي "طبقات الأمم" طبعة شيخو، بيروت، سنة 1912

    -        القفطي "أخبار العلماء بأخبار الحكماء" نشرة ليبرت، سنة 1903

    -        ابن أبي أصيبعة "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" القاهرة، سنة 1882

    -        ابن جلجل "طبقات الأطباء والحكماء" القاهرة، سنة 1955

    -        البيهقي "تتمة صوان الحكمة" دمشق، سنة 1946

    -        أبوسليمان المنطقي السجستاني "صوان الحكمة" تحقيق عبد الرحمن بدوي، طهران، سنة 1974

    -    عبد الرحمن بدوي "دور العرب في تكوين الفكر الأوربي"، القاهرة، سنة 1967

    -  "كتاب الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى" تحقيق، أحمد فؤاد الأهواني، دار غحياء الكتب العربية، القاهرة، 1948

    -   سيديو "تاريخ العرب العام" ترجمة عادل زعيتر، مطبعة عيسى الحلبي، 1948

    -   مصطفى عبد الرزاق "فيلسوف العرب والمعلم الثاني" عيسى حلبي، 1945

    -   الجاحظ "البخلاء"، طبعة ليدن، 1889

    -   موسوعة الحضارة العربية الإسلامية، مج الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1987

     
      10-11-2011 بروكسيل - بلجيكا

    بقلم فؤاد السني اليزيد 

    « ترنيمة عشقمجالس اللغة »
    Partager via Gmail

    Tags وسوم : , , , ,
  • تعليقات

    1
    بثين السعد
    الخميس 19 ديسمبر 2013 في 22:53

     

     

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق